الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى أَقْوَالٍ نَذْكَرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَتْ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ثُمَّ عَنْ التَّابِعِينَ رحمهم الله ثُمَّ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ نَذْكُرُ حُجَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ ; لِيَلُوحَ مِنْ ذَلِكَ الْحَقُّ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمْ يَقُدْ أَبُو بَكْرٍ , وَلاَ عُمَرُ بِالْقَسَامَةِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَمْرٍو ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْجَمَاعَةَ الْأُولَى لَمْ يَكُونُوا يَقِيدُونَ بِالْقَسَامَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : انْطَلَقَ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَجَدَاهُ قَدْ صَدَرَ عَنْ الْبَيْتِ عَامِدًا إلَى مِنًى فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ أَدْرَكَاهُ فَقَصَّا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا , فَقَالاَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ ابْنَ عَمٍّ لَنَا قُتِلَ , نَحْنُ إلَيْهِ شَرَعٌ سَوَاءٌ فِي الدَّمِ وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يُرْجِعُ إلَيْهِمَا شَيْئًا حَتَّى نَاشَدَاهُ اللَّهَ , فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا , ثُمَّ ذَكَّرَاهُ اللَّهَ فَكَفَّ عَنْهُمَا , ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : وَيْلٌ لَنَا إذَا لَمْ نُذَكِّرْ بِاَللَّهِ , وَوَيْلٌ لَنَا إذَا لَمْ نُذَكَّرْ اللَّهَ : فِيكُمْ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ , يَجِيئَانِ بِهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فَنُقِيدُكُمْ مِنْهُ , وَإِلَّا حَلَفَ مَنْ يَدْرَؤُكُمْ : بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا ، وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْكُمْ خَمْسُونَ , ثُمَّ كَانَتْ لَكُمْ الدِّيَةُ , إنَّ الْقَسَامَةَ تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ ، وَلاَ يُقَادُ بِهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَحْلَفَ امْرَأَةً خَمْسِينَ يَمِينًا ; ثُمَّ جَعَلَهَا دِيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْحَيِّ يَقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ الْحَيِّ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ : بِاَللَّهِ إنَّ دَمَنَا فِيكُمْ ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ ني أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِي قِلاَبَةَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ ، أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا حَلِيفًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتِ مِنْ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ فَأَخَذُوا الْيَمَانِيَّ فَرَفَعُوهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَوْسِمِ , وَقَالُوا : قَتَلَ صَاحِبَنَا , قَالَ : إنَّهُمْ خَلَعُوهُ , قَالَ : يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوا فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً , وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الشَّامِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ , فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ آخَرَ , فَدَفَعَهُ عُمَرُ إلَى أَخِي الْمَقْتُولِ , فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَا وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَعَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ قَالَ : إنَّ قَتِيلاً قُتِلَ بِالْيَمَنِ بَيْن حَيَّيْنِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَقِيسُوا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ , فَكَانَ إلَى وَدَاعَةَ أَقْرَبَ , فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ : أَنْ يُقْسِمُوا ثُمَّ يَدُوا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي وَدَاعَةَ بِالْيَمَنِ : فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَطِيمَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ , ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُمْ رَجُلاً رَجُلاً : بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا , وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً , فَقَالَ لَهُمْ : أَدُّوا وَحَوِّلُوا , فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُغَرِّمُنَا وَتُحَلِّفُنَا قَالَ : نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنَا أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُ عَنْ الْقَسَامَةِ قَالَ : فَقُلْت لَهُ : كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ أَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنْ مِنْ سُنَّتِنَا , وَمَا بَلَغَنَا : أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا تَكَلَّمَ بَرِئَ أَهْلُهُ , إنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , وَذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَاَلَّذِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ النَّاسَ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّالِبِ , وَالأَيْمَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ , إِلاَّ فِي الدَّمِ فَهَذَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ , قَالَ : كَتَبَ إلَيَّ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ وُجِدَ مَقْتُولاً فِي دَارِ قَوْمٍ , فَقَالُوا : طَرَقَنَا لِيَسْرِقَنَا , وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُ : كَذَبُوا بَلْ دَعَوْهُ إلَى مَنْزِلِهِمْ , ثُمَّ قَتَلُوهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَكَتَبَ إلَيْهِ : يَحْلِفُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ خَمْسُونَ : إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا جَاءَ لِيَسْرِقَهُمْ , وَمَا دَعَوْهُ إِلاَّ دُعَاءً , ثُمَّ قَتَلُوهُ فَإِنْ حَلَفُوا أُعْطُوا الْقَوَدَ , وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْ أُولَئِكَ خَمْسُونَ : بِاَللَّهِ لَطَرَقَنَا لِيَسْرِقَنَا , ثُمَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه فِي ابْنِ بَاقِرَةَ التَّغْلِبِيَّ أَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَحْلِفُوا , فَأَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ فَهَذَا مَا جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا وَجَدَ الْقَتِيلَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ قَاسَ مَا بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَيُّمَا رَجُلٍ قُتِلَ بِفَلاَةٍ مِنْ الأَرْضِ فَدِيَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ; لِكَيْ لاَ يُطَلَّ دَمٌ فِي الإِسْلاَمِ , وَأَيُّمَا قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَهُوَ عَلَى أَصْقَبِهِمَا يَعْنِي أَقْرَبَهُمَا. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَ الْمُتَّهَمَ , وَتِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ مَعَهُ تَمَامَ خَمْسِينَ فَهَذَا مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُطِيعٍ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عُمَرَ , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ قَسَامَةَ , إِلاَّ أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةٌ. وَيَقُولُ : لاَ يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ , وَلاَ يُطَلُّ دَمُ مُسْلِمٍ هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ. فَهَذَا مَا جَاءَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه. وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْقَسَامَةِ فَأَخْبَرْته أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ بِهَا , وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَقُدْ بِهَا. وَعَنْ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الدَّمِ لَمْ تَزَلْ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلاً , فَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ , أَوْ نَكَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ : رُدَّتْ قَسَامَتُهُمْ , حَتَّى حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَاتَّهَمَتْ بَنُو أَسَدِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى مُصْعَبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ , وَمُعَاذَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيَّ , وَعُقْبَةَ بْنَ جَعْوَنَةَ بْنِ شَعُوبٍ اللَّيْثِيَّ : بِقَتْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ فَاخْتَصَمُوا إلَى مُعَاوِيَةَ إذْ حَجَّ وَلَمْ يُقِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَيِّنَةً إِلاَّ بِالتُّهْمَةِ , فَقَضَى مُعَاوِيَةُ بِالْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمْ , فَأَبَى بَنُو زُهْرَةَ , وَبَنُو تَيْمٍ , وَبَنُو لَيْثٍ : أَنْ يَحْلِفُوا عَنْهُمْ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِبَنِي أَسَدٍ : احْلِفُوا فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : نَحْلِفُ نَحْنُ عَلَى الثَّلاَثَةِ جَمِيعًا فَنَسْتَحِقُّ فَأَبَى مُعَاوِيَةُ أَنْ يُقْسِمُوا إِلاَّ عَلَى وَاحِدٍ فَقَصَرَ مُعَاوِيَةُ الْقَسَامَةَ فَرَدَّهَا عَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ , فَحَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ , فَبَرِئُوا وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا قُصِرَتْ الْقَسَامَةُ , ثُمَّ قَضَى بِذَلِكَ مَرْوَانُ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ ثُمَّ رُدَّتْ الْقَسَامَةُ إلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ. وَأَمَّا تَوْحِيدُ الأَيْمَانِ فَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّدَ الأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ , الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ , وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ غِيلَةً قَالَ : يُقْسِمُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ : مَا قَتَلْنَا , وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً , فَإِنْ حَلَفُوا فَقَدْ بَرِئُوا , وَإِنْ نَكَلُوا أَقْسَمَ مِنْ الْمُدَّعِينَ خَمْسُونَ : أَنَّ دَمَنَا قِبَلَكُمْ , ثُمَّ يُودُوا. وَعَنْ الْحَسَنِ يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَسَامَةِ الدِّيَةَ , وَلاَ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الدَّمَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَصْحَابًا لَهُ يُحَدِّثُونَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَرَّأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْيَمِينِ ثُمَّ ضَمَّنَهُمْ الْعَقْلَ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ فِي إمَارَتِهِ بِالْمَدِينَةِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْقَسَامَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ اسْتَحْلَفَهُمْ , وَأَلْزَمَهُمْ الدِّيَةَ , وَدَرَأَ عَنْ الْقَتْلِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ رَدَّدَ الأَيْمَانَ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ أَحَدُهُمْ جَانٍ , وَعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : تُرَدَّدُ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ , الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا عَلَى قَوْمٍ قَتِيلاً فَاسْتَحْلَفَ شُرَيْحٌ خَمْسِينَ مِنْهُمْ , فَحَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ : بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت , وَلاَ عَلِمْت قَاتِلاً , فَاسْتَحْلَفَهُمْ , فَقَالَ شُرَيْحٌ : أَتِمَّهُمْ وَأَنَا أَعْلَمُ , فَلَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ رَجُلاً , فَرَدَّدَ عَلَيْهِمْ أَيْمَانَ نَفَرٍ مِنْهُمْ تَمَامَ الْخَمْسِينَ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ , قَالَ : الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ جَوْرٌ يُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ ، وَلاَ يُقَادُ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ , قَالَ : سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ وَقَدْ تَيَسَّرَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ لِيَحْلِفُوا الْغَدَ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ : يَا لِعِبَادِ اللَّهِ لَقَوْمٌ يَحْلِفُونَ عَلَى مَا لَمْ يَرَوْهُ , وَلَمْ يَحْضُرُوهُ , وَلَمْ يَشْهَدُوهُ , وَلَوْ كَانَ لِي مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ لَعَاقَبْتُهُمْ , وَلَنَكَلْتُهُمْ , وَلَجَعَلْتُهُمْ نَكَالاً , وَمَا قَبِلْت لَهُمْ شَهَادَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ ني أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ بَنِي قِلاَبَةَ أَنَا أَبُو قِلاَبَةَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ , ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ , فَدَخَلُوا , فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالُوا : الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ , وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ , فَقَالَ لِي : مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلاَبَةَ فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الأَخْيَارِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ , أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوْهُ , أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ قَالَ : لاَ , قُلْتُ : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ أَنَّهُ سَرَقَ , أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ قَالَ : لاَ , قُلْتُ : فَوَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ فِي إحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ : رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ , أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَدَعَانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ أُرِيدُ أَنْ أَدَعَ الْقَسَامَةَ , يَأْتِي رَجُلٌ مِنْ أَرْضِ كَذَا , وَآخَرُ مِنْ أَرْضِ كَذَا , فَيَحْلِفُونَ , فَقُلْت لَهُ : لَيْسَ ذَلِكَ لَك , قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ , وَإِنَّك إنْ تَرَكْتهَا أَوْشَكَ رَجُلٌ أَنْ يُقْتَلَ عِنْدَ بَابِك فَيُطَلُّ دَمُهُ , وَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْقَسَامَةِ حَيَاةً. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي رَجُلٍ اُتُّهِمَ بِقَتْلِهِ أَخَوَانِ فَخَافَ أَبُوهُمَا أَنْ يُقْتَلاَ , فَقَالَ : أَنَا قَتَلْت صَاحِبَكُمْ , فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الأَخَوَيْنِ : أَنَا قَتَلْته وَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , قَالَ الزُّهْرِيُّ : أَرَى ذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ , فَيَحْلِفُونَ قَسَامَةَ الدَّمِ عَلَى أَحَدِهِمْ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ اعْتَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَتْلِ إنْسَانٍ , وَبَرَّأَ صَاحِبَهُ : إنَّ الأَوْلِيَاءَ يُقْسِمُونَ عَلَى وَاحِدٍ , وَيُجْلَدُ الآخَرَانِ مِائَةً مِائَةً , وَيُسْجَنَانِ سَنَةً. فَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ , يُجْلَدُونَ كُلُّهُمْ مِائَةً مِائَةً , وَيُسْجَنُونَ سَنَةً. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ يَعْقُوبَ مَوْلَى بَنِي سِبَاعٍ ضُرِبَ , فَاحْتُمِلَ إلَى أَهْلِهِ فَسُئِلَ مَنْ ضَرَبَهُ فَقَالَ : ضَرَبَنِي ابْنَا بِلْسَانَةَ وَابْنَا تَوْلَمَانَةَ فَحُفِظَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ , وَشَهِدَ عَلَيْهِ , وَمَاتَ رَبِيعَةُ , فَأَخَذَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أُولَئِكَ الرَّهْطَ فَسَجَنَهُمْ , وَقَدِمَ مَرْوَانُ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ , قَالَ : فَاخْتَصَمُوا إلَيْهِ , فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَلاَمِ رَبِيعَةَ , وَتَسْمِيَةِ الرَّهْطِ الَّذِينَ سَمَّى , فَجَاءُوا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ , فَأَحْلَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سِبَاعٍ , وَابْنَهُ مُحَمَّدًا , وَعَطَاءَ بْنَ يَعْقُوبَ فِي قَرِيبٍ مِنْ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ آلِ سِبَاعٍ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِينَ يَمِينًا مُرَدَّدَةً عَلَيْهِمْ ; لِقَتْلِ ابْنَا بِلْسَانَةَ , وَابْنَا تَوْلَمَانَةَ رَبِيعَةُ بْنُ يَعْقُوبِ , فَحَلَفُوا , فَدَفَعَ مَرْوَانُ ابْنَيْ بِلْسَانَةَ , وَابْنَيْ تَوْلَمَانَةَ , إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوهُمْ. قال أبو محمد رحمه الله : فَمِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ , وَابْنُ الزُّبَيْرِ , وَمُعَاوِيَةُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَجُمْلَةُ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ هَكَذَا مُجْمَلاً فأما الْمُسَمَّوْنَ فَهُمْ تِسْعَةٌ. وَمِنْ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَشُرَيْحٌ , ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَقَتَادَةُ , وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَأَبُو قِلاَبَةَ , وَالزُّهْرِيُّ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَغَيْرُهُمْ , وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ التَّابِعُونَ هَكَذَا مُجْمَلاً كُلُّهُمْ مُخْتَلِفُونَ , وَالصَّحَابَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ , وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرْنَا لاَ يَصِحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قال أبو محمد رحمه الله : فَالْمَأْثُورُ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمْ يُقِدْ بِالْقَسَامَةِ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ , إنَّمَا هُوَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ , وَعَنْ الْحَسَنِ , وَفِي طَرِيقِ الْحَسَنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمْ يُقِدْ بِالْقَسَامَةِ وَهُوَ مُرْسَلٌ لاَ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ طَلَبَ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ , فَإِنْ لَمْ يَجِدُوهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ , فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْهُ لأََنَّهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُولَدْ وَالِدُ الْقَاسِمِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِينَ , وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرُّوا فَقَطْ , إِلاَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ حَيَّيْنِ , أَوْ قَرْيَتَيْنِ أَنْ يُذْرَعَ إلَى أَيِّهِمَا هُوَ أَقْرَبُ فَاَلَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا وَغَرِمُوا الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ. وَمِثْلُ هَذَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ إِلاَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ; لأََنَّهُ عَنْ عُمَرَ , وَالْمُغِيرَةِ , مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ أَوْ نَحْوِهَا وَقَبْلَ الشَّعْبِيِّ. وَفِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ أَشْعَثُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّهُ حَلَّفَ امْرَأَةً مُدَّعِيَةً مِنْ دَمِ مَوْلًى لَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا , ثُمَّ قَضَى لَهَا بِالدِّيَةِ وَهَذَا مُرْسَلٌ لأََنَّهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ , وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ رضي الله عنه فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ فَأَقَرُّوا بِقَتْلِهِ , وَأَنَّهُ جَاءَهُمْ لِيَسْرِقَهُمْ : أَنْ يَحْلِفَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ , وَلَهُمْ الْقَوَدُ , فَإِنْ نَكَلُوا : حَلَفَ أَهْلُ الدَّارِ وَغَرِمُوا الدِّيَةَ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ : أَنَّ عُثْمَانَ وَلَمْ يُولَدْ الزُّهْرِيُّ , إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ أَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ عُثْمَانَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه: إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ قَاسَ مَا بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ وُجِدَ بِفَلاَةٍ مِنْ الأَرْضِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمَ , وَتِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ مَعَهُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَمْ يُولَدْ أَبُو جَعْفَرٍ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ بِبِضْعَةِ عَشَرَ عَامًا. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِيهَا الْحَارِثُ الأَعْوَرُ وَهُوَ كَذَّابٌ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِالأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ وَأَنْ لاَ يُقَادَ بِهَا , وَأَنْ لاَ يُطَلَّ دَمُ مُسْلِمٍ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ عَنْ مُطِيعٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْأُخْرَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَصَحَّ عَنْهُ مِنْ أَجَلِّ إسْنَادٍ أَنَّهُ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ , وَأَنَّهُ رَأَى الْقَوَدَ بِهَا فِي قَتِيلٍ وُجِدَ , وَأَنَّهُ رَأَى الْحُكْمَ لِلْمُدَّعِينَ بِالأَيْمَانِ , وَأَنَّهُ رَأَى أَنْ يُقَادَ بِهَا مِنْ الْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ : رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ أَوْثَقُ النَّاسِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ شَاهَدَ تِلْكَ الْقِصَّةَ كُلَّهَا. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَاضِي ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرُوِيَ عَنْهُ تَبْرِئَةُ أَوْلِيَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ , فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَطْ , وَأُقِيدُوا بِهِ لاَ عَلَى أَكْثَرَ , فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا , تُرَدَّدُ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ , وَحَمْلُهُ إيَّاهُمْ لِلتَّحْلِيفِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ; لأََنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَقَدْ شَهِدَ الأَمْرَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالأَيْمَانِ وَأَقَادَ بِهَا , وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ فِي الطَّرِيقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الزِّنَادِ , وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ دَعْوَى فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ , إِلاَّ فِي الدَّمِ , فَإِنَّ الْمُصَابَ إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ , فَأَوْلِيَاؤُهُ مُبْدِئُونَ , إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ هَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى , أَنْ لاَ قَوَدَ بِالْقَسَامَةِ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ الْحَسَنِ. وَفِي الطَّرِيقِ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ : أَنَّ الأَمْرَ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ مُعَاوِيَةَ , أَلَّا تُرَدَّدَ الأَيْمَانُ , وَأَنَّهُ إنْ نَقَصَ مِنْ الْخَمْسِينَ وَاحِدٌ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ وَهُوَ صَحِيحٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَيَّامَ عُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما فَهَذَا كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كُلُّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ , وَكُلُّهُ لاَ يَصِحُّ , إِلاَّ مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَمُعَاوِيَةَ , وَعَنْ إبْطَالِ الْقَسَامَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ الْخَمْسُونَ : فَهُوَ صَحِيحٌ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ رحمهم الله : فأما الْحَسَنُ : فَصَحَّ عَنْهُ أَنْ لاَ يُقَادَ بِالْقَسَامَةِ لَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ : بِاَللَّهِ مَا فَعَلْنَا , وَيُبَرَّءُونَ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ وَأَخَذُوا الدِّيَةَ هَذَا فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَجَاءَ عَنْهُ : يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أُغَرِّمُهُمْ الدِّيَةَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ وَهَذَا عَنْهُ صَحِيحٌ , وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَصَحَّ عَنْهُ : أَنَّهُ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ صِحَّةً لاَ مَغْمَزَ فِيهَا , وَأَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ , وَرَدَّدَ الأَيْمَانَ وَصَحَّ عَنْهُ : أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْقَسَامَةِ جُمْلَةً وَتَرَكَ الْحُكْمَ بِهَا. وَصَحَّ عَنْهُ مِثْلُ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي إغْرَامِهِ نَصًّا الدِّيَةَ فِي نُكُولِ الْمُدَّعِينَ وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ عَنْ الأَيْمَانِ مَعًا. وَأَمَّا شُرَيْحٌ فَصَحَّ عَنْهُ تَرَدُّدُ الأَيْمَانِ , وَأَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ فَادَّعَى أَهْلُهُ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الدَّارِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ ، وَلاَ شَيْءَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَصَحَّ عَنْهُ إبْطَالُ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ لَكِنْ يُبْدَأُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ وَرَأَى تَرْدِيدَ الأَيْمَانِ. وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ : أَنَّهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ , لَهُ إنْ وُجِدَ بَدَنُهُ فِي دَارِ قَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ دَمُهُ , وَإِنْ وُجِدَ رَأْسُهُ فِي دَارِ قَوْمٍ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ ، وَلاَ دِيَةَ ، وَلاَ غَيْرَهَا إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْهُ ; لأََنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ , أَوْ عَنْ صَاعِدٍ الْيَشْكُرِيِّ , وَلاَ نَعْرِفُهُ. وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا , وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا لَمْ يَقْضِ بِهَا وَهَذَا كَلاَمُ سَوْءٍ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ. وَرِوَايَةٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَحْكُمُ مِنْ عِنْدِ. نَفْسِهِ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. وَلَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى إذْ أَوْحَى إلَيْهِ بِأَنْ يَحْكُمَ فِي الْقَسَامَةِ بِمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ أَنَّ النَّاسَ سَيَجْتَرِئُونَ عَلَى الْكُفْرِ , وَعَلَى الدِّمَاءِ , فَكَيْفَ عَلَى الأَيْمَانِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَأَمَّا قَتَادَةُ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ , وَلاَ يُقَادُ بِهَا. وَأَمَّا سَالِمٌ فَصَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ الْقَسَامَةِ جُمْلَةً , وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ فِيهَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُنَكَّلَ , وَأَنْ لاَ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ. وَأَمَّا أَبُو قِلاَبَةَ فَصَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ الْقَسَامَةِ جُمْلَةً. وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إذَا لَمْ تَتِمَّ الْخَمْسُونَ عَدَدُ الْمُدَّعِينَ بَطَلَتْ , وَلاَ تُرَدَّدُ الأَيْمَانُ فِيهَا ، وَأَنَّ تَرْدِيدَهَا مُحْدَثٌ. أَمَّا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ , فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ : إنْ ادَّعَى الْمُصَابُ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ , أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ , فَإِنَّ أَوْلِيَاءَ الْمُدَّعِي يَبْدَءُونَ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى وَاحِدٍ , وَتُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ الأَيْمَانُ إنْ لَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ يَمِينًا , فَإِذَا حَلَفُوا دُفِعَ إلَيْهِمْ الْوَاحِدُ فَيَقْتُلُوهُ , وَجُلِدَ الآخَرُونَ مِائَةً مِائَةً , وَسُجِنُوا سَنَةً. وَأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِأَنْ لاَ يُقْتَلَ فِي الْقَسَامَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ , وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُ يَقْتُلُونَ فِيهَا الرَّهْطَ بِالْوَاحِدِ. وَهَذَا كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ سَاقِطٌ , لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ , وَابْنُ سَمْعَانَ مَعًا وَهُمَا سَاقِطَانِ ; وَأَمَّا أَبُو الزِّنَادِ فَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ مَنْ لَهُ بَعْضُ بَيِّنَةٍ أَوْ شُبْهَةٌ , صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ. وَأَمَّا رَبِيعَةُ فَصَحَّ عَنْهُ : أَنَّ شَهَادَةَ الْيَهُودِ , وَالنَّصَارَى , وَالْمَجُوسِ , أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْمَرْأَةِ : يُؤْخَذُ بِهَا فِي الْقَتْلِ , وَيَبْدَأُ مَعَهَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ , وَذَلِكَ دَعْوَى الْمُصَابِ دُونَ بَيِّنَةٍ أَصْلاً بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ هَكَذَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فَيَبْدَأُ أَوْلِيَاؤُهُ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ الأَيْمَانُ إنْ لَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ , وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ , فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا , تُرَدَّدُ أَيْضًا عَلَيْهِمْ , وَيَبْرَءُونَ وَيَبْرَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , فَلاَ قَوَدَ ، وَلاَ دِيَةَ , فَإِنْ نَكَلُوا وَجَبَ لأََوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَوَدُ عَلَى مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ دُونَ يَمِينٍ. وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرُوِيَ عَنْهُ : إذَا ادَّعَى الْجَرِيحُ عَلَى قَوْمٍ , فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَبْدَءُونَ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا , وَتُكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الأَيْمَانُ , ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِمْ كُلُّ مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَقْتُلُونَ إنْ شَاءُوا وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ. وَأَمَّا السَّالِفُونَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جُمْلَةً فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ : أَنَّ مَنْ ادَّعَى وَهُوَ مُصَابٌ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ , فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَبْدَءُونَ فِي الْقَسَامَةِ , فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى أَحَدٍ بَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , فَإِنْ حَلَفَ الأَوْلِيَاءُ مَعَ دَعْوَى الْمُصَابِ كَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ , فَإِنْ عَفَوْا عَنْ الدَّمِ وَأَرَادُوا الدِّيَةَ قُضِيَ لَهُمْ بِذَلِكَ , وَجُلِدَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُمْ مِائَةً مِائَةً , وَحُبِسُوا سَنَةً , وَإِنْ عَفَا الأَوْلِيَاءُ عَنْ الْقَوَدِ وَعَنْ الدِّيَةِ : فَلاَ ضَرْبَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُمْ , وَلاَ سَجْنَ , فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ أَوْلِيَائِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا , فَإِنْ نَكَلُوا غَرِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً. وَأَنَّ الْقَسَامَةَ تَكُونُ مَعَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ , أَوْ النِّسَاءِ , أَوْ الْيَهُودِ , أَوْ النَّصَارَى كَمَا قلنا فِي دَعْوَى الْقَتِيلِ سَوَاءً سَوَاءً ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَنَّ الأَيْمَانَ تُرَدَّدُ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ , فَإِنْ كَانَ دَعْوَى قَتْلِ عَمْدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْلِفَ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ , وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى قَتْلِ خَطَأٍ : حَلَفَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ. وَيَحْلِفُ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ مَنْ أَرَادَ الْقَوَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا ، وَلاَ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الْخَطَأِ إِلاَّ مَنْ يَرِثُ وَكُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْكَذِبِ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ : أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا تَرَى غَيْرُ مُتَّفِقِينَ وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَنَذْكُرُ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا يَسَّرَ. فأما سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ : أَنَّهُ قَالَ : إنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَوْمٍ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ أَتَوْا بِهَا قُضِيَ لَهُمْ بِالْقَوَدِ , وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا , وَغَرِمُوا الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ : مَنْ ضُرِبَ فَجُرِحَ فَعَاشَ صِمِّيتًا ثُمَّ مَاتَ فَالْقَسَامَةُ تَكُونُ حِينَئِذٍ , فَيَحْلِفُ الْمُدَّعُونَ : لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إيَّاهُ , فَإِنْ حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا كَذَلِكَ اسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ , وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ : مَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إيَّاهُ , وَيَغْرَمُونَ الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ فَالْجُرْحُ خَاصَّةً لاَ فِي النَّفْسِ , فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا غَرِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ نِصْفَ الدِّيَةِ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ : قُلْت لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ قَالَ , لاَ , قُلْت : فَأَبُو بَكْرٍ , قَالَ : لاَ , قُلْت : فَعُمَرُ , قَالَ : لاَ , قُلْت : فَكَيْفَ تَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا فَسَكَتَ. قَالَ مَعْمَرٌ : فَقُلْت ذَلِكَ لِمَالِكٍ فَقَالَ : لاَ تَضَعُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحِيَلِ , لَوْ اُبْتُلِيَ بِهَا أَقَادَ بِهَا. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِيمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ بِقَتِيلٍ وُجِدَ فِيهِمْ : فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَيُقْضَى لَهُمْ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلاً مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , وَبَرِئُوا , وَلاَ غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ دِيَةَ , وَلاَ قَوَدَ. وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : لاَ تَكُونُ الْقَسَامَةُ بِدَعْوَى الْمُصَابِ أَصْلاً , وَلاَ قَوَدَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ دِيَةَ , لَكِنْ إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ وَبِهِ أَثَرٌ , وَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ , وَادَّعَوْا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةُ عَدْلٍ قُضِيَ لَهُمْ بِهَا , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْخِطَّةِ , لاَ مِنْ السُّكَّانِ , وَلاَ مِنْ الَّذِينَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِلْكُ الْخِطَّةِ بِالشِّرَاءِ , لَكِنْ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا مَالِكِينَ لَهَا فِي الأَصْلِ , يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ , فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُمْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الأَيْمَانُ فَإِذَا حَلَفُوا غَرِمُوا الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ , فَإِنْ نَكَلُوا سُجِنُوا أَبَدًا حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا. وقال مالك : لاَ تَكُونُ الْقَسَامَةُ إِلاَّ بِأَنْ يَقُولَ الْمُصَابُ : فُلاَنٌ قَتَلَنِي عَمْدًا , فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ : حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ قِيَامًا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ , مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ : لَقَدْ قَتَلَهُ فُلاَنٌ عَمْدًا فَإِذَا حَلَفُوا , فَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ فَلَهُمْ الْقَوَدُ مِنْهُ , وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقَوَدُ إِلاَّ مِنْ وَاحِدٍ , وَيُضْرَبُ الْبَاقُونَ مِائَةً مِائَةً , وَيُسْجَنُونَ سَنَةً فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ : بِأَنَّ فُلاَنًا قَتَلَ فُلاَنًا كَانَتْ الْقَسَامَةُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ لَوْثٌ مِنْ نِسَاءٍ أَوْ غَيْرِ عُدُولٍ , فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا خَمْسِينَ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الأَيْمَانُ حَتَّى يَتِمَّ خَمْسِينَ ، وَلاَ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ : فُلاَنٌ قَتَلَنِي , غَيْرَ بَالِغٍ , فَلاَ قَسَامَةَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ قَوَدَ , وَلاَ غَرَامَةَ : قَالَ : فَإِنْ نَكَلَ جَمِيعُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا , فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رُدَّتْ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ , فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ , فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ مِنْ الأَوْلِيَاءِ : بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ وَوَجَبَتْ الأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، وَلاَ قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ , وَلاَ غَرَامَةَ , وَلاَ فِي دَعْوَى عَبْدٍ : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ. وَفِي دَعْوَى الْمَرِيضِ : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي خَطَأً رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا : أَنَّ فِي ذَلِكَ الْقَسَامَةَ وَالْأُخْرَى : لاَ قَسَامَةَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ فِي كَافِرٍ. وقال الشافعي : لاَ قَسَامَةَ فِي دَعْوَى إنْسَانٍ : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي أَصْلاً سَوَاءٌ قَالَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، وَلاَ غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْقَسَامَةُ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ دُورِ قَوْمٍ كُلُّهُمْ عَدُوٌّ لِلْمَقْتُولِ , فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ يَبْدَءُونَ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلاً يَمِينًا يَمِينًا : أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً , فَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمْ رُدَّتْ الأَيْمَانُ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا , وَاسْتُحِقَّتْ الدِّيَةُ عَلَى سُكَّانِ تِلْكَ الدُّورِ , وَلاَ يُسْتَحَقُّ بِالْقَسَامَةِ قَوَدٌ أَصْلاً وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَدْلٌ , أَوْ جَمَاعَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَ فُلاَنًا , فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ كَمَا ذَكَرْنَا , وَالدِّيَةُ أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي زِحَامٍ فَالْقَسَامَةُ أَيْضًا , وَالدِّيَةُ , كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا : إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ لَهُ , وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ : حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ , وَاسْتَحَقُّوا الْقَوَدَ أَوْ الدِّيَةَ ، وَلاَ قَسَامَةَ , إِلاَّ فِي مُسْلِمٍ حُرٍّ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَذْكُرُ الآنَ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ مَجْمُوعَةً كُلَّهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ , مُسْتَقْصَاةً ; لِيَلُوحَ الْحَقُّ بِهَا مِنْ الْخَطَأِ , وَلِتَكُونَ شَاهِدَةً لِمَنْ أَصَابَ مَا فِيهَا بِأَنَّهُ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى وَشَاهِدَةً لِمَنْ خَالَفَ مَا فِيهَا بِأَنَّهُ يُسِّرَ لِلْخَطَأِ مُجْتَهِدًا إنْ كَانَ مِمَّنْ سَلَفَ , وَعَاصِيًا إنْ كَانَ مُقَلِّدًا وَقَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا جَمَعْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَمِنْ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ رحمهم الله وَمِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ , ثُمَّ أَتَيْنَا بِالأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ; لأََنَّ أَحْكَامَ الْقَسَامَةِ مُتَدَاخِلَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ : وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ , زَعَمَ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا , وَوُجِدَ أَحَدُهُمْ قَتِيلاً , وَقَالُوا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ : قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا قَالُوا : مَا قَتَلْنَا , وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً , فَانْطَلَقُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلاً , فَقَالَ : الْكُبْرَ الْكُبْرَ فَقَالَ لَهُمْ : تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قَالُوا : مَا لَنَا بَيِّنَةٌ. قَالَ : فَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ. قَالُوا : كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ قَالَ : فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا : وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالُوا : لاَ نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ , فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ , قَالَ يَحْيَى : وَحَسِبْته قَالَ : وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا قَالاَ : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ , ثُمَّ إذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلاً فَدَفَنَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ : أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ قَالُوا : كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ قَالَ : فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا : وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ أَعْطَاهُ عَقْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ , وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ مُحَيِّصَةُ بْنَ مَسْعُودٍ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ , فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ فَجَاءَ إخْوَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَابْنُ عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ , وَمُحَيِّصَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَبِّرْ الْكُبْرَ , أَوْ قَالَ : لِيَبْدَأْ الأَكْبَرُ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ فَقَالُوا : أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ قَالَ : فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ نَقْبَلُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالَ : فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ , قَالَ سَهْلٌ : فَدَخَلْت مُرِيدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا , قَالَ حَمَّادٌ : هَذَا , أَوْ نَحْوَهُ. قال أبو محمد رحمه الله : فَشَكَّ يَحْيَى فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ : هَلْ ذَكَرَ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ , وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ مَعَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَمْ يَشُكَّ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ فِي أَنَّ رَافِعًا رَوَى عَنْهُ هَذَا الْخَبَرَ بَشِيرٌ , وَكِلاَ الرَّجُلَيْنِ ثِقَةٌ , حَافِظٌ , وَحَمَّادٌ أَحْفَظُ مِنْ اللَّيْثِ , وَالرِّوَايَتَانِ مَعًا صَحِيحَتَانِ. فَصَحَّ أَنَّ يَحْيَى شَكَّ مَرَّةً : هَلْ ذَكَرَ بَشِيرٌ رَافِعًا مَعَ سَهْلٍ أَمْ لاَ وَقَطَعَ يَحْيَى مَرَّةً فِي أَنَّ بَشِيرًا ذَكَرَ رَافِعًا مَعَ سَهْلٍ , وَلَمْ يَشُكَّ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ حَمَّادٍ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ. وناه أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ; قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ , وَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْقَاسِمِ , ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ وَهْبٍ , وَابْنُ الْقَاسِمِ , وَبَشِيرُ بْنُ عُمَرَ , كُلُّهُمْ يَقُولُ : حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ , وَمُحَيِّصَةَ , خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جُهْدٍ أَصَابَهُمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فِي فَقِيرٍ , فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ : أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ , قَالُوا : وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ , ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ , فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ , ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَيَّصَةَ : كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ , ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَأَمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ , فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , فَكَتَبُوا : إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا : لاَ قَالَ : فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا : لَيْسُوا مُسْلِمِينَ , فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ , فَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ نَاقَةٍ , حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارَ , قَالَ سَهْلٌ : فَلَقَدْ رَكَضَنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ : وُجِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَتِيلاً فَجَاءَ أَخُوهُ , وَحُوَيِّصَةُ , وَمُحَيِّصَةَ , وَهُمَا عَمَّا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُبْرَ الْكُبْرَ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلاً فِي قَلِيبٍ يَعْنِي مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام : مَنْ تَتَّهِمُونَ قَالُوا : نَتَّهِمُ يَهُودَ , قَالَ : فَتُقْسِمُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا : أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ , قَالُوا : وَكَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ قَالَ : فَتُبْرِيكُمْ الْيَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا : أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ , قَالُوا : وَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَنْصَارِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَعْلَبَكُّيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ , وَقَضَى بِهَا بَيْنَ أُنَاسٍ مِنْ الأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذِهِ الأَخْبَارُ مِمَّا صَحَّتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ , لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ إِلاَّ هِيَ أَصْلاً. قال أبو محمد رحمه الله : فَذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَنَظَرْنَا فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ فَوَجَدْنَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ عليه السلام لِلْمُدَّعِي بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ. قَالُوا : فَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام بَيْنَ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ , وَبَيْنَ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ , وَأَبْطَلَ كُلَّ ذَلِكَ , وَلَمْ يَجْعَلْهُ إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءً لاَ يَفْتَرِقُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً : لاَ فِي مَنْ يَحْلِفُ , وَلاَ فِي عَدَدِ يَمِينٍ , وَلاَ فِي إسْقَاطِ الْغَرَامَةِ , إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ , إِلاَّ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ إضَافَتَهُ إلَى مَا ذَكَرُوا , وَهُوَ أَنَّ الَّذِي حَكَمَ بِمَا ذَكَرُوا , وَهُوَ الْمُرْسَلُ إلَيْنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ , وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ الْمُدَّعَاةِ , وَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ وَتَرْكُ سَائِرِهَا , إذْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى , وَكُلُّهَا حَقٌّ , وَفَرَضَ الْوُقُوفَ عِنْدَهُ , وَالْعَمَلَ بِهِ وَلَيْسَ بَعْضُ أَحْكَامِهِ عليه السلام أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ , وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْمَعْصِيَةِ , وَتَحْتَ قوله تعالى أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ , وَبَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ لِتِلْكَ الأَحَادِيثِ. فَإِنْ قَالُوا : الدِّمَاءُ حُدُودٌ , وَلاَ يَمِينَ فِي الْحُدُودِ قِيلَ لَهُمْ : مَا هِيَ مِنْ الْحُدُودِ ; لأََنَّ الْحُدُودَ لَيْسَتْ مَوْكُولَةً إلَى اخْتِيَارِ أَحَدٍ إنْ شَاءَ أَقَامَهَا , وَإِنْ شَاءَ عَطَّلَهَا بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ , لاَ خِيَارَ فِيهَا لأََحَدٍ , وَلاَ حُكْمَ. وَأَمَّا الدِّمَاءُ فَهِيَ مَوْكُولَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْوَلِيِّ إنْ شَاءَ اسْتَقَادَ , وَإِنْ شَاءَ عَفَا فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْحُدُودِ , وَصَحَّ أَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَفَسَدَ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا , لاَ حَيْثُ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ حَيْثُ الْقَسَامَةُ فَقَطْ. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْيَمِينَ فِي دَعْوَى الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا ، وَلاَ بُدَّ ، وَلاَ أَقَلَّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ , إِلاَّ أَنَّهُمْ قَاسُوا كُلَّ دَعْوَى فِي الدَّمِ عَلَى الْقَسَامَةِ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; لأََنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا لِلدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ فِي الدَّمِ بِحُكْمِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; لأََنَّ الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ يَرَوْنَ فِي الْقَسَامَةِ تَبْرِئَةَ الْمُدَّعِينَ , وَلاَ يَرَوْنَ تَبْرِئَتَهُمْ فِي دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ , وَالْحَنَفِيُّونَ يَرَوْنَ إيجَابَ الْغَرَامَةِ مَعَ الأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ , وَلاَ يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ فَصَحَّ أَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا قِيَاسَ دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ عَلَى الْقَسَامَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا , إِلاَّ فِي عَدَدِ الأَيْمَانِ فَقَطْ فَظَهَرَ بِذَلِكَ بَاطِلُ قَوْلِهِمْ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا هُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الدَّعَاوَى كُلِّهَا دِمَاءً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ , وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ إِلاَّ فِي الزِّنَى , وَالْقَسَامَةِ , فَفِي الزِّنَى أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ فَصَاعِدًا , لاَ أَقَلُّ ; لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً , وَفِي الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ يَمِينًا لاَ أَقَلُّ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. وَبَقِيَ كُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيِّنَتُك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ. وَعَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا إِلاَّ مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْقَسَامَةَ تَكُونُ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ , فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلاً , إِلاَّ مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنَا أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ : مَا عِنْدَك فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ فَقُلْت لَهُ : كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ , وَجَعَلَهَا سُتْرَةً لِدِمَائِهِمْ , وَلَكِنْ مِنْ سُنَّتِهَا وَمَا بَلَغَنَا فِيهَا : أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا تَكَلَّمَ بَرِئَ أَهْلُهُ , وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ. قال أبو محمد : إنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَكْثَرُوا وَأَتَوْا بِمَا يُنْسِي آخِرُهُ أَوَّلَهُ , حَتَّى يَغْتَرَّ الْجَاهِلُ فَيَظُنَّ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِشَيْءٍ , وَهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ أَصْلاً , وَهَذَا سَنَدٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ. وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ خَرَّجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ , إِلاَّ أَنَّ الْمَوْصِلِيَّ الْحَافِظَ الأَسَدِيَّ ذَكَرَ : أَنَّ يُوسُفَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ , وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ , إِلاَّ أَنَّ الْإِرْسَالَ يَكْفِي فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَلَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِيمَا يَدَّعِيهِ الْمَقْتُولُ , وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ، وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ , وَلاَ يَرَوْنَ فِيهِ قَسَامَةً أَصْلاً إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ. وَذَكَرُوا مَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا فِطْرٌ أَبُو الْهَيْثَمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَوَّلُ الْقَسَامَةِ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إبِلِهِ , فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَقَالَ : أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لاَ تَنْفِرُ الْإِبِلُ , فَأَعْطَاهُ عِقَالاً يَشُدُّ بِهِ جُوَالِقَهُ , فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتْ الْإِبِلُ إِلاَّ بَعِيرًا وَاحِدًا , فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ : مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ قَالَ : لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ , قَالَ فَأَيْنَ عِقَالُهُ قَالَ : مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعْت عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَاسْتَغَاثَنِي فَقَالَ : أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لاَ تَنْفِرُ الْإِبِلُ , فَأَعْطَيْته عِقَالَهُ , فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهِ أَجَلُهُ , فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ قَالَ : مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا أَشْهَدُ. قَالَ : هَلْ أَنْتَ عَنِّي مُبَلِّغٌ رِسَالَةً مِنْ الدَّهْرِ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : إذَا شَهِدْت الْمَوْسِمَ فَنَادِ : يَا آلَ قُرَيْشٍ ; فَإِذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ : يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ , فَإِذَا أَجَابُوك , فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ. فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ , فَقَالَ : مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا قَالَ : مَرِضَ فَأَحْسَنْت الْقِيَامَ عَلَيْهِ , ثُمَّ مَاتَ فَوُلِّيت دَفْنَهُ , فَقَالَ : أَهَلْ ذَلِكَ مِنْك فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الْيَمَانِيَّ الَّذِي كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ , قَالَ : يَا آلَ قُرَيْشٍ فَقَالُوا : هَذِهِ قُرَيْشٌ , قَالَ : يَا بَنِي هَاشِمٍ , قَالُوا : هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ , قَالَ : أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا : هَذَا أَبُو طَالِبٍ , قَالَ : أَمَرَنِي فُلاَنٌ أَنْ أُبَلِّغَك رِسَالَتَهُ : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ , فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ : اخْتَرْ مِنَّا إحْدَى ثَلاَثٍ إنْ شِئْت أَنْ تُودِيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّك قَتَلْت صَاحِبَنَا خَطَأً , وَإِنْ شِئْت حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّك لَمْ تَقْتُلْهُ , فَإِنْ أَبَيْت قَتَلْنَاك بِهِ , فَأَتَى قَوْمُهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ , فَقَالُوا : نَحْلِفُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ , فَقَالَتْ : يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنْ الْخَمْسِينَ , وَلاَ تُصْبِرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ فَفَعَلَ , فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْت خَمْسِينَ رَجُلاً أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ يُصِيبُ كُلُّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ , فَهَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي ، وَلاَ تُصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ فَقَبِلَهُمَا , وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً حَلَفُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ قال أبو محمد رحمه الله : فَأَضَافُوا إلَى هَذَا الْخَبَرِ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ فِي بَابِ الأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ , وَهُوَ أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ صِفَةَ الْقَسَامَةِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ , لاَ فِي مُصَابٍ ادَّعَى أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا , فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ , لاَ لَهُمْ , وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً , فَلَقَدْ خَالَفُوهُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ , وَمَا فِيهِ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً فِي شَيْءٍ. لأََنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِشَاهِدَيْنِ , وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْقَسَامَةَ فِي مِثْلِ هَذَا. ، وَأَنَّ أَبَا طَالِبٍ بَدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالأَيْمَانِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. وَأَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَقَرَّ : أَنَّ ذَلِكَ الْقُرَشِيَّ قَتَلَ الْهَاشِمِيَّ خَطَأً , ثُمَّ قَالَ لَهُ : فَإِنْ أَبَيْت مِنْ الدِّيَةِ , أَوْ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِك قَتَلْنَاك بِهِ وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. فَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرٍ : هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ , وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ الْقَسَامَةُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ , بَلْ هَذَا حَقٌّ عِنْدَنَا لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا وَهُوَ مِنْ غَامِضِ اخْتِرَاعِهِمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَمْرِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى. وَذَكَرُوا مَعَ هَذِهِ الآيَةِ : مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ الزُّبَيْرِيِّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْوَزَّانُ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : إنَّ أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَجَدُوا شَيْخًا قَتِيلاً فِي أَصْلِ مَدِينَتِهِمْ , فَأَقْبَلَ أَهْلُ مَدِينَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا : قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا , وَابْنُ أَخٍ لَهُ شَابٌّ يَبْكِي وَيَقُولُ : قَتَلْتُمْ عَمِّي فَأَتَوْا مُوسَى عليه السلام , فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ : قال أبو محمد رحمه الله : وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ هَذَا فَإِيهَامٌ وَتَمْوِيهٌ عَلَى الْمُغْتَرِبِينَ : أَمَّا الآيَةُ فَحَقٌّ , وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ أَلْبَتَّةَ , وَإِنَّمَا فِيهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ صَفْرَاءَ فَاقِعٍ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ , مُسَلَّمَةٍ لاَ شِيَةَ فِيهَا غَيْرِ ذَلُولٍ تُثِيرُ الأَرْضَ ، وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ لاَ فَارِضٍ ، وَلاَ بِكْرٍ عَوَانٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا قَتَلُوا قَتِيلاً فَتَدَارَءُوا فِيهِ , فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا , إذْ ذَبَحُوهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ. وَلَيْسَ فِي الآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا , لاَ أَنَّ الْمَقْتُولَ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ , وَلاَ أَنَّهُ قُتِلَ بِهِ , وَلاَ أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ قَسَامَةٌ , فَكُلُّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ حَقٌّ , وَكُلُّ مَا أَقْحَمُوهُ بِآرَائِهِمْ فِي الآيَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الآيَةِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا مُرْسَلَةً , لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا , إِلاَّ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مُتَعَلَّقٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ الأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَتْ كُلُّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ , وَلاَ يَلْزَمُنَا مَا كَانَ فِيهِمْ , فَقَدْ كَانَ فِيهِمْ السَّبْتُ , وَتَحْرِيمُ الشُّحُومِ , وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَلاَ يَلْزَمُنَا إِلاَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا عليه السلام قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ فَذَكَرَ فِيهَا : أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ : إنَّمَا كَانَ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً , وَبُعِثَ هُوَ عليه السلام إلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مُوسَى عليه السلام وَسَائِرَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ عليه السلام لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا , فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْنَا لَيْسَتْ لاَزِمَةً لَنَا , وَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّتِهِمْ فَقَطْ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُنَا فِي شَيْءٍ مِنْ دَعْوَى الدِّمَاءِ ذَبْحُ بَقَرَةٍ وَصَحَّ بُطْلاَنُ احْتِجَاجِهِمْ بِتِلْكَ الأَخْبَارِ , إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنْ يُسْمَعَ مِنْ الْمَقْتُولِ بَعْدَ : أَنْ تُذْبَحَ بَقَرَةٌ وَيُضْرَبَ بِهَا. وَثَالِثُهَا أَنَّ تِلْكَ الأَخْبَارَ فِيهَا مُعْجِزَةُ نَبِيٍّ وَإِحَالَةُ الطَّبِيعَةِ مِنْ إحْيَاءِ مَيِّتٍ فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ نُصَدِّقَ حَيًّا قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا تَصْدِيقَهُ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ مُمْكِنًا مِنْهُ الْكَذِبُ مِنْ أَجْلِ أَنْ صَدَّقَ بَنُو إسْرَائِيلَ مَيِّتًا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا ضِدُّ الْقِيَاسِ بِلاَ شَكٍّ , وَضِدُّ مَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ بِلاَ شَكٍّ. وَالأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبٌ , فَلْيُرُونَا مَقْتُولاً رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ إلَيْهِ بِحَضْرَةِ نَبِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَيُخْبِرُنَا بِالشَّيْءِ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نُصَدِّقُهُ , وَأَمَّا أَنْ نُصَدِّقَ حَيًّا يَدَّعِي عَلَى غَيْرِهِ , فَهُوَ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ بِعَيْنِهِ , فَذِكْرُهُمْ لِهَذِهِ الآيَةِ وَهَذِهِ الأَخْبَارِ : قَبِيحٌ , لَوْ تَوَرَّعَ عَنْهُمْ لَكَانَ أَسْلَمَ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاه مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِيِّ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالَ يَحْيَى : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ , وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ اتَّفَقَ خَالِدٌ , وَمُحَمَّدٌ : كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ , فَقَالَ لَهَا : أَقَتَلَكَ فُلاَنٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا : أَنْ لاَ , ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ , فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا : أَنْ لاَ , سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ : نَعَمْ , وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا , فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ هَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ وَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ , وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ , كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ شُعْبَةَ زَادَ ذِكْرَ دَعْوَى الْمَقْتُولَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ قلنا : صَدَقْتُمْ , وَقَدْ زَادَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةً لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ فُلاَنٌ , فُلاَنٌ , حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا , فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. فَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ الْيَهُودِيَّ إِلاَّ بِإِقْرَارِهِ , لاَ بِدَعْوَى الْمَقْتُولَةِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا لاَ يَصِحُّ أَبَدًا مِنْ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا قَتَلَهُ بِدَعْوَاهَا لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَلَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ قَسَامَةٍ أَصْلاً , وَهُمْ لاَ يَقْتُلُونَ بِدَعْوَى الْمَقْتُولَةِ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ حَتَّى يَحْلِفَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الأَوْلِيَاءِ خَمْسِينَ يَمِينًا ، وَلاَ بُدَّ. وَأَيْضًا فَهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْقَسَامَةَ بِدَعْوَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَالأَظْهَرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ ; لأََنَّهُ ذَكَرَ جَارِيَةً ذَاتَ أَوْضَاحٍ , وَهَذِهِ الصِّفَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الَّذِينَ بِلُغَتِهِمْ تَكَلَّمَ أَنَسٌ , إنَّمَا يُوقِعُونَهَا عَلَى الصَّبِيَّةِ , لاَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَالِغِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ بِكُلِّ وَجْهٍ , وَلاَحَ خِلاَفُهُمْ فِي ذَلِكَ , فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ , وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ. وَاعْتَرَضَ الْمَالِكِيُّونَ , وَمَنْ لاَ يَرَى الْقَسَامَةَ فِي هَذَا , بِأَنْ قَالُوا : وَالْقَتِيلُ قَدْ يُقْتَلُ ثُمَّ يَحْمِلُهُ قَاتِلُهُ فَيُلْقِيهِ عَلَى بَابِ إنْسَانٍ أَوْ فِي دَارِ قَوْمٍ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَنَّ هَذَا مُمْكِنٌ , وَلَكِنْ لاَ يُعْتَرَضُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَحُكْمِ رَسُولِهِ عليه السلام : بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَمْرُ كَذَا , وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكْذِبَ الشَّاهِدُ , وَيَكْذِبَ الْحَالِفُ , وَيَكْذِبَ الْمُدَّعِي : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ هَذَا أَمْرٌ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ , فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي رَدُّوا بِهِ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالَفُوهُ : أَنْ لاَ يَقْتُلُوا أَحَدًا بِشَهَادَةِ شَاهِدِينَ , فَقَدْ يَكْذِبَانِ , وَلَيْسَ الْقَوَدُ بِالشَّاهِدِينَ إجْمَاعًا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ ; لأََنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ : لاَ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ يَدْرِي أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ : لاَ يَجُوزُ هَذَا الْحُكْمُ ; لأََنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرْمِيَهُ قَاتِلُهُ عَلَى بَابِ غَيْرِهِ وَنَعَمْ , هَذَا مُمْكِنٌ. أَتَرَى لَوْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ أَهْلِ مَدِينَةٍ بِأَسْرِهَا أَوْ بِقَتْلِ أُمَّهَاتِنَا وَآبَائِنَا وَأَنْفُسِنَا , كَمَا أَمَرَ مُوسَى عليه السلام قَوْمَهُ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ إذْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ قال أبو محمد رحمه الله : فإن قال قائل : فَمَا تَقُولُونَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ وَفِيهِ رَمَقٌ , فَيُحْمَلُ فَيَمُوتُ فِي مَكَان آخَرَ , أَوْ فِي الطَّرِيقِ , أَوْ يَمُوتُ إثْرَ وُجُودِهِمْ لَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَجَوَابُنَا : أَنَّهُ لاَ قَسَامَةَ فِي هَذَا , وَإِنَّمَا فِيهِ التَّدَاعِي فَقَطْ , يُكَلَّفُ أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةَ , سَوَاءٌ ادَّعَى هُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ لَمْ يَدَّعِ , فَإِنْ جَاءُوا بِالْبَيِّنَةِ قَضَى لَهُمْ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُمْ , وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِالْبَيِّنَةِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَمِينًا وَاحِدَةً إنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ حَلَفُوا كُلُّهُمْ يَمِينًا يَمِينًا ، وَلاَ بُدَّ وَيُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا. وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ : هُوَ أَنَّ الأَصْلَ الْمُطَّرِدَ فِي كُلِّ دَعْوَى فِي الإِسْلاَمِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ , وَلاَ نُحَاشِ شَيْئًا هُوَ " أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ ". كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ يَقُولُ لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ , وَهَذَانِ عَامَّانِ , وَلاَ يَصِحُّ لأََحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُمَا شَيْئًا , إِلاَّ مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ , وَلاَ نَصَّ إِلاَّ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فَقَطْ , فَمَتَى وَجَدَهُ حَيًّا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَلاَ قَسَامَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ وُجِدَ لاَ أَثَرَ فِيهِ فَقَدْ قلنا : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حَكَمَ فِي مَقْتُولٍ , وَلَيْسَ كُلُّ مَيِّتٍ مَقْتُولاً , فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَثَرٍ وُجِدَ فِيهِ مِنْ : ضَرْبٍ أَوْ شَدْخٍ أَوْ خَنْقٍ , أَوْ ذَبْحٍ أَوْ طَعْنٍ , أَوْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ , أَوْ سُمٍّ فَهُوَ مَقْتُولٌ وَالْقَسَامَةُ فِيهِ. وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ لاَ أَثَرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ فَلاَ قَسَامَةَ ; لأََنَّهُ لَيْسَتْ هِيَ الْحَالَ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ. إنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا حَتْفَ أَنْفِهِ , وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَقْتُولاً , غَمَّهُ بِشَيْءٍ وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ فَقَطَعَ نَفَسَهُ فَمَاتَ : فَالْقَسَامَةُ فِيهِ. فإن قيل : لِمَ قُلْتُمْ هَذَا وَالأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مَقْتُولٍ فَلاَ قَسَامَةَ فِيهِ قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ الْمَقْتُولَ أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ سَبُعٌ , فَلَمَّا كَانَ إمْكَانُ مَا ذَكَرْنَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ الْقَسَامَةِ لأَِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ , وَوَجَبَتْ الْقَسَامَةُ ; لأَِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا , فَلاَ تَكُنْ غَافِلاً مُتَعَسِّفًا أَنَّنَا قَدْ قِسْنَا أَحَدَهُمَا عَلَى الآخَرِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ , لَكِنَّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلُّهُ , إنَّمَا هُوَ مَنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ , أَوْ عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ قَتْلُهُمْ لَهُ الَّذِي ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مُمْكِنًا فَهَذِهِ هِيَ الْقِصَّةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهَا بِالْقَسَامَةِ , فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ حَقًّا , وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ إذَا أَيْقَنَّا أَنَّ الَّذِي يَدَّعُونَهُ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ قال أبو محمد رحمه الله : فَسَوَاءٌ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ أَعْدَاءٍ كُفَّارٍ , أَوْ أَعْدَاءٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ أَصْدِقَاءٍ كُفَّارٍ , أَوْ أَصْدِقَاءٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ فِي دَارِ أَخِيهِ , أَوْ ابْنِهِ أَوْ حَيْثُمَا وُجِدَ , فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ , بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يَصِحُّ خِلاَفُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ; لأََنَّهُمَا حَكَمَا بِالْقَسَامَةِ فِي إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ وُجِدَ مَقْتُولاً بِالْمَدِينَةِ ,. وَادَّعَى قَوْمٌ قَتْلَهُ عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى مُفْتَرِقَةِ الدُّورِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَقْتُولُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَهُمْ : زُهْرَى , وَتَيْمِيٌّ , وَلَيْثِيٌّ كِنَانِيٌّ , وَبِهَذَا نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْمَقْتُولُ فِي مَسْجِدٍ , أَوْ فِي دَارِهِ نَفْسِهِ , أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ , أَوْ فِي السُّوقِ , أَوْ بِالْفَلاَةِ , أَوْ فِي سَفِينَةٍ , أَوْ نَهْرٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ , أَوْ فِي بَحْرٍ , أَوْ عَلَى عُنُقِ إنْسَانٍ , أَوْ فِي سَقْفٍ , أَوْ فِي شَجَرَةٍ , أَوْ فِي غَارٍ , أَوْ عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ , أَوْ سَائِرَةٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا قلنا. وَمَتَى ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُذْرَعُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ : حَلَفُوا وَغَرِمُوا مَعَ قَوْلِهِمْ : إنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ حَلَفُوا وَوَدَوْا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ مِمَّا نَاهٍ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ ، حَدَّثَنَا أَبُو إسْرَائِيلُ الْمُلاَئِيُّ ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ هُوَ الْعَوْفِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام فَقِيسَ إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى إحْدَاهُمَا بِشِبْرٍ , فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّنَ النَّبِيُّ عليه السلام مَنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَتْ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الْجُلاَسِ بْنِ سُوَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ الْجُلاَسُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ : إنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحَمِيرِ فَسَمِعَهَا عُوَيْمِرٌ , فَقَالَ : وَاَللَّهِ إنِّي لاَ شَيْءَ إنْ لَمْ أَرْفَعْهَا إلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ فِيهِ , وَأَنْ أَخْلِطَ بِخُطْبَتِهِ , وَلَنِعْمَ الأَبُ هُوَ لِي فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتُوا , فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُلاَسَ فَعَرَفَهُ وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ , كَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ , لاَ يَتَحَرَّكُونَ إذَا نَزَلَ الْوَحْيُ , فَرُفِعَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ : يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ فَقَالَ الْجُلاَسُ : اسْتَتِبْ إلَيَّ رَبِّي , فَإِنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ , وَأَشْهَدُ لَهُ بِصِدْقِ وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ عُرْوَةُ : كَانَ مَوْلَى الْجُلاَسِ قُتِلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , فَأَبَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : أَنْ يَعْقِلُوهُ , فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام جَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , قَالَ عُرْوَةُ : فَمَا زَالَ عُمَيْرٌ مِنْهَا بِعَلِيًّا حَتَّى مَاتَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْبِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ قَتِيلاً وُجِدَ فِي هُذَيْلٍ , فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَدَعَا خَمْسِينَ مِنْهُمْ , فَأَحْلَفَهُمْ , كُلَّ رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ يَمِينًا : بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا قَتَلْنَا ، وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً , ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , قَالَ : إنَّمَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ أَقْسَمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ : مَا قَتَلْنَا , وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً فَإِنْ عَجَزَتْ الأَيْمَانُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ عَقَلُوا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي خُزَاعَةَ أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ الْقَسَامَةَ عَلَى خُزَاعَةَ : بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا ، وَلاَ نَعْلَمُ قَاتِلاً , وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ , وَغَرِمُوا الدِّيَةَ. قَالُوا : وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ قَبْلُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَكُلُّ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ فَلاَ يَجِبُ الأَشْتِغَالُ بِهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : أَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ : فَهَالِكٌ ; لأََنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ضَعَّفَهُ هُشَيْمٌ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَمَا نَدْرِي أَحَدًا وَثَّقَهُ وَذَكَرَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْكَلْبِيَّ الْكَذَّابَ فَيَأْخُذُ عَنْهُ الأَحَادِيثَ , ثُمَّ يُكَنِّيهِ بِأَبِي سَعِيدٍ وَيُحَدِّثُ بِهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , فَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ الْخُدْرِيِّ , وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلاَئِيِّ هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ , فَهُوَ بَلِيَّةٌ عَنْ بَلِيَّةٍ , وَالْمُلاَئِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَيْسَ فِي الذَّرْعِ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ خَبَرٌ غَيْرُ هَذَا أَلْبَتَّةَ , لاَ مُسْنَدٌ ، وَلاَ مُرْسَلٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُلاَسِ بْنِ سُوَيْد بْنِ الصَّامِتِ , وَعُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ , فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ : أَنَّ مَوْلَى الْجُلاَسِ قُتِلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ جَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولاً فِيهِمْ , وَلاَ أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ فِيهِ قَسَامَةً وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ , فَقَاتِلُهُ مِنْهُمْ , وَإِذَا كَانَ قَاتِلُهُ مِنْهُمْ فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ فَهَذِهِ صِفَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ وَبِهِ نَقُولُ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي خُزَاعَةَ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَمُرْسَلٌ فَبَطَلَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ لاَ يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ ; لأََنَّهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ , وَعَنْ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ , وَقَدْ وَصَفَهُ الشَّعْبِيُّ بِالْكَذِبِ وَفِيهِ أَيْضًا : الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ , وَمَا نَعْلَمُ فِي الْقُرْآنِ , وَلاَ فِي السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ فِي الْإِجْمَاعِ , وَلاَ فِي الْقِيَاسِ : أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَغْرَمَ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَاسُوا الدَّعْوَى فِي الدَّمِ عَلَى الدَّعْوَى فِي الْمَالِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلَكِنْ لاَ السُّنَّةَ أَصَابُوا , وَلاَ الْقِيَاسَ أَحْسَنُوا. قال أبو محمد رحمه الله : فإن قال قائل : فَمَا تَقُولُونَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ وَفِيهِ رَمَقٌ , فَيُحْمَلُ فَيَمُوتُ فِي مَكَان آخَرَ , أَوْ فِي الطَّرِيقِ , أَوْ يَمُوتُ إثْرَ وُجُودِهِمْ لَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَجَوَابُنَا : أَنَّهُ لاَ قَسَامَةَ فِي هَذَا , وَإِنَّمَا فِيهِ التَّدَاعِي فَقَطْ , يُكَلَّفُ أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةَ , سَوَاءٌ ادَّعَى هُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ لَمْ يَدَّعِ , فَإِنْ جَاءُوا بِالْبَيِّنَةِ قَضَى لَهُمْ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُمْ , وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِالْبَيِّنَةِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَمِينًا وَاحِدَةً إنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ حَلَفُوا كُلُّهُمْ يَمِينًا يَمِينًا ، وَلاَ بُدَّ وَيُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا. وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ : هُوَ أَنَّ الأَصْلَ الْمُطَّرِدَ فِي كُلِّ دَعْوَى فِي الإِسْلاَمِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ , وَلاَ نُحَاشِ شَيْئًا هُوَ " أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ ". كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ يَقُولُ لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ , وَهَذَانِ عَامَّانِ , وَلاَ يَصِحُّ لأََحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُمَا شَيْئًا , إِلاَّ مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ , وَلاَ نَصَّ إِلاَّ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فَقَطْ , فَمَتَى وَجَدَهُ حَيًّا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَلاَ قَسَامَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ وُجِدَ لاَ أَثَرَ فِيهِ فَقَدْ قلنا : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حَكَمَ فِي مَقْتُولٍ , وَلَيْسَ كُلُّ مَيِّتٍ مَقْتُولاً , فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَثَرٍ وُجِدَ فِيهِ مِنْ : ضَرْبٍ أَوْ شَدْخٍ أَوْ خَنْقٍ , أَوْ ذَبْحٍ أَوْ طَعْنٍ , أَوْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ , أَوْ سُمٍّ فَهُوَ مَقْتُولٌ وَالْقَسَامَةُ فِيهِ. وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ لاَ أَثَرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ فَلاَ قَسَامَةَ ; لأََنَّهُ لَيْسَتْ هِيَ الْحَالَ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ. إنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا حَتْفَ أَنْفِهِ , وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَقْتُولاً , غَمَّهُ بِشَيْءٍ وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ فَقَطَعَ نَفَسَهُ فَمَاتَ : فَالْقَسَامَةُ فِيهِ. فإن قيل : لِمَ قُلْتُمْ هَذَا وَالأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مَقْتُولٍ فَلاَ قَسَامَةَ فِيهِ قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ الْمَقْتُولَ أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ سَبُعٌ , فَلَمَّا كَانَ إمْكَانُ مَا ذَكَرْنَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ الْقَسَامَةِ لأَِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ , وَوَجَبَتْ الْقَسَامَةُ ; لأَِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا , فَلاَ تَكُنْ غَافِلاً مُتَعَسِّفًا أَنَّنَا قَدْ قِسْنَا أَحَدَهُمَا عَلَى الآخَرِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ , لَكِنَّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلُّهُ , إنَّمَا هُوَ مَنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ , أَوْ عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ قَتْلُهُمْ لَهُ الَّذِي ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مُمْكِنًا فَهَذِهِ هِيَ الْقِصَّةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهَا بِالْقَسَامَةِ , فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ حَقًّا , وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ إذَا أَيْقَنَّا أَنَّ الَّذِي يَدَّعُونَهُ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ قال أبو محمد رحمه الله : فَسَوَاءٌ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ أَعْدَاءٍ كُفَّارٍ , أَوْ أَعْدَاءٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ أَصْدِقَاءٍ كُفَّارٍ , أَوْ أَصْدِقَاءٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ فِي دَارِ أَخِيهِ , أَوْ ابْنِهِ أَوْ حَيْثُمَا وُجِدَ , فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ , بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يَصِحُّ خِلاَفُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ; لأََنَّهُمَا حَكَمَا بِالْقَسَامَةِ فِي إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ وُجِدَ مَقْتُولاً بِالْمَدِينَةِ ,. وَادَّعَى قَوْمٌ قَتْلَهُ عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى مُفْتَرِقَةِ الدُّورِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَقْتُولُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَهُمْ : زُهْرَى , وَتَيْمِيٌّ , وَلَيْثِيٌّ كِنَانِيٌّ , وَبِهَذَا نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْمَقْتُولُ فِي مَسْجِدٍ , أَوْ فِي دَارِهِ نَفْسِهِ , أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ , أَوْ فِي السُّوقِ , أَوْ بِالْفَلاَةِ , أَوْ فِي سَفِينَةٍ , أَوْ نَهْرٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ , أَوْ فِي بَحْرٍ , أَوْ عَلَى عُنُقِ إنْسَانٍ , أَوْ فِي سَقْفٍ , أَوْ فِي شَجَرَةٍ , أَوْ فِي غَارٍ , أَوْ عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ , أَوْ سَائِرَةٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا قلنا. وَمَتَى ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُذْرَعُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ : حَلَفُوا وَغَرِمُوا مَعَ قَوْلِهِمْ : إنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ حَلَفُوا وَوَدَوْا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ مِمَّا نَاهٍ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ ، حَدَّثَنَا أَبُو إسْرَائِيلُ الْمُلاَئِيُّ ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ هُوَ الْعَوْفِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام فَقِيسَ إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى إحْدَاهُمَا بِشِبْرٍ , فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّنَ النَّبِيُّ عليه السلام مَنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَتْ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الْجُلاَسِ بْنِ سُوَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ الْجُلاَسُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ : إنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحَمِيرِ فَسَمِعَهَا عُوَيْمِرٌ , فَقَالَ : وَاَللَّهِ إنِّي لاَ شَيْءَ إنْ لَمْ أَرْفَعْهَا إلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ فِيهِ , وَأَنْ أَخْلِطَ بِخُطْبَتِهِ , وَلَنِعْمَ الأَبُ هُوَ لِي فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتُوا , فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُلاَسَ فَعَرَفَهُ وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ , كَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ , لاَ يَتَحَرَّكُونَ إذَا نَزَلَ الْوَحْيُ , فَرُفِعَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ : يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ فَقَالَ الْجُلاَسُ : اسْتَتِبْ إلَيَّ رَبِّي , فَإِنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ , وَأَشْهَدُ لَهُ بِصِدْقِ وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ عُرْوَةُ : كَانَ مَوْلَى الْجُلاَسِ قُتِلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , فَأَبَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : أَنْ يَعْقِلُوهُ , فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام جَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , قَالَ عُرْوَةُ : فَمَا زَالَ عُمَيْرٌ مِنْهَا بِعَلِيًّا حَتَّى مَاتَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْبِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ قَتِيلاً وُجِدَ فِي هُذَيْلٍ , فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَدَعَا خَمْسِينَ مِنْهُمْ , فَأَحْلَفَهُمْ , كُلَّ رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ يَمِينًا : بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا قَتَلْنَا ، وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً , ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , قَالَ : إنَّمَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ أَقْسَمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ : مَا قَتَلْنَا , وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً فَإِنْ عَجَزَتْ الأَيْمَانُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ عَقَلُوا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي خُزَاعَةَ أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ الْقَسَامَةَ عَلَى خُزَاعَةَ : بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا ، وَلاَ نَعْلَمُ قَاتِلاً , وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ , وَغَرِمُوا الدِّيَةَ. قَالُوا : وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ قَبْلُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَكُلُّ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ فَلاَ يَجِبُ الأَشْتِغَالُ بِهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : أَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ : فَهَالِكٌ ; لأََنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ضَعَّفَهُ هُشَيْمٌ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَمَا نَدْرِي أَحَدًا وَثَّقَهُ وَذَكَرَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْكَلْبِيَّ الْكَذَّابَ فَيَأْخُذُ عَنْهُ الأَحَادِيثَ , ثُمَّ يُكَنِّيهِ بِأَبِي سَعِيدٍ وَيُحَدِّثُ بِهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , فَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ الْخُدْرِيِّ , وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلاَئِيِّ هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ , فَهُوَ بَلِيَّةٌ عَنْ بَلِيَّةٍ , وَالْمُلاَئِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَيْسَ فِي الذَّرْعِ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ خَبَرٌ غَيْرُ هَذَا أَلْبَتَّةَ , لاَ مُسْنَدٌ ، وَلاَ مُرْسَلٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُلاَسِ بْنِ سُوَيْد بْنِ الصَّامِتِ , وَعُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ , فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ : أَنَّ مَوْلَى الْجُلاَسِ قُتِلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ جَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ , وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولاً فِيهِمْ , وَلاَ أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ فِيهِ قَسَامَةً وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ , فَقَاتِلُهُ مِنْهُمْ , وَإِذَا كَانَ قَاتِلُهُ مِنْهُمْ فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ فَهَذِهِ صِفَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ وَبِهِ نَقُولُ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي خُزَاعَةَ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَمُرْسَلٌ فَبَطَلَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ لاَ يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ ; لأََنَّهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ , وَعَنْ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ , وَقَدْ وَصَفَهُ الشَّعْبِيُّ بِالْكَذِبِ وَفِيهِ أَيْضًا : الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ , وَمَا نَعْلَمُ فِي الْقُرْآنِ , وَلاَ فِي السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ فِي الْإِجْمَاعِ , وَلاَ فِي الْقِيَاسِ : أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَغْرَمَ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَاسُوا الدَّعْوَى فِي الدَّمِ عَلَى الدَّعْوَى فِي الْمَالِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلَكِنْ لاَ السُّنَّةَ أَصَابُوا , وَلاَ الْقِيَاسَ أَحْسَنُوا.
|